استخدام البيانات الضخمة في إدارة المواصلات العامة (تجربة مدينة لندن)

ترجمة: ريما

مراجعة: محمد كامل





تشرف هيئة النقل في لندن (TfL) على شبكة ضخمة من الحافلات والقطارات وسيارات الأجرة وتأجير الدراجات الهوائية والطرق ومسارات الدراجات وممرات المشاة بالإضافة الى العبَارات التي يتم استخدامها يوميا ًمن قبل الملايين. وتعتبر هذه الشبكة الواسعة جزء لا يتجزأ من حياة الكثير من البشر في واحدة من أزحم المدن في العالم مما يمكّن هيئة النقل من الوصول إلى كمية ضخمة من البيانات. ولذلك تعتمد الهيئة على تحليل البيانات الضخمة بشكل كبير لإدارة وتشغيل هذه الشبكة الضخمة.

المشكلة التي ساعدت البيانات الضخمة بحلها

كما أشارت رئيسة التحليل في هيئة النقل في لندن لورين ويسنتن: “مدينة لندن تنمو بشكل هائل. فعدد السكان الان 8.6 مليون نسمة ومن المتوقع ان تزيد الى 10 مليون نسمة بشكل سريع. يجب علينا فهم سلوك العملاء وكيفية تلبية احتياجاتهم.” وعلى هذا الأساس، لدى هيئة النقل في لندن هدفين لجمع وتحليل البيانات: تنظيم شبكة المواصلات وتقديم المعلومات اللازمة للعملاء. فكما أوضحت لورين وينستن: ” الركاب يرغبون منا بتوفير بخدمات ممتازة مقابل ما ينفقونه على شبكة المواصلات، كما يريدون رؤيتنا مبتكرين ومتقدمين من أجل تلبية احتياجاتهم.” 

كيف استخدمت البيانات الضخمة عمليا؟

تستخدم هيئة النقل في لندن تحليل البيانات الضخمة بثلاث طرق رئيسية: 

– تحديد وتخطيط رحلات العملاء 

– إدارة الحوادث الغير متوقعة. 

– توفير معلومات مخصصة عن الرحلات لكل شخص. 

دعونا نلقي نظرة على هذه الطرق.

في عام 2003 أطلق نظام التذاكر الذكي (Oyster) والذي مكّن الهيئة من جمع بيانات ضخمة عن الرحلات التي يتم حجزها. فعلى الركاب القيام بشحن البطاقات الذكية بالمال أو من خلال شراء بطاقات موسمية ومن ثم تمرير هذه البطاقات عبر الأجهزة المخصصة عند البوابات للتمكن من الوصول الى الباصات والقطارات. في عام 2014 كانت هيئة النقل في لندن أول من قدم وسائل نقل عامة تقبل الدفع عن بعد (تمرير البطاقة بدلا من إدخالها contactless) لحجز الرحلات كما لدى العملاء بديلا ًعن بطاقات (Oyster) لا يتطلب إجراء ً مسبقا ً كالشحن قبل الاستخدام. فبكل سهولة يمكنهم حجز الرحلات عن طريق تمرير بطاقاتهم البنكية عبر أجهزة الدفع. تنتج بطاقات (Oyster) ونظام حجز التذاكر عن بعد 19 مليون لمسة يوميا يمكن تحليلها. 

هذه البيانات مجهولة ويمكن استخدامها لمعرفة سلوك تنقلات الناس من خلال تحليل وجهاتهم وأوقات تنقلاتهم مما يعطي هيئة النقل صورة عامة عن أنماط التنقلات ويزيد من دقة التحليلات على مستوى الرحلات الفردية مقارنة بالسابق. فنسبة كبيرة من رحلات الركاب في لندن تشمل أكثر من وسيلة للتنقل (الرحلات البرية والرحلات التي تكون تحت الأرض an overland and Underground journey)، وهذا التحليل لم يكن ممكنا ً في زمن التذاكر التقليدية، وكان يتم استخدام التذاكر الورقية لكل جزء أو محطة خلال الرحلة.

أيضا ً، يساعد تحليل البيانات الضخمة هيئة النقل في لندن على التصرف بشكل أمثل عند حدوث اضطرابات أو مشاكل غير متوقعة. فعلى سبيل المثال عند حصول خلل فني في إحدى خدمات هيئة النقل فبإمكانهم حساب عدد الأشخصاص الذين ستتأثر رحلاتهم نتيجة هذا الخلل مما يتيح للعملاء من استرجاع نقودهم وإذا كان الخلل الفني كبير فإن هيئة النقل تقوم بشكل تلقائي بإرجاع النقود لكل العملاء الذين تأثروا بسبب هذا الخلل الفني. أما بالنسبة للعملاء الذين حجزوا رحلاتهم عن طريق الدفع عن بعد سيتم ارجاع نقودهم بشكل تلقائي لحساباتهم البنكية. وأما بالنسبة لمستخدمي بطاقات (Oyster) فبإمكان الهيئة التنبؤ إلى أين سيتجه العميل في المرة القادمة فعند تنقلهم في المرة القادمة فإن إرجاع النقود سيكون بانتظارهم في المحطة ويسترد المبلغ في بطاقات العملاء. 

وعند وجود خطة عمل مسبقة ستؤثر على بعض أجزاء وسائل النقل تقوم هيئة النقل في لندن باستخدام النمط التاريخي لتحديد المسارات المتوقعة لتنقلات الناس والتخطيط لخدمات بديلة لتلبية احتياجاتهم وتخفيف أثر هذا الانقطاع. كما يقومون بإشعار العملاء عن احتمالية تأثرهم بالخلل الفني مع تزويدهم بتحديثات شخصية باستمرار.

هذا النهج المخصص لمعلومات السفر هو إحدى الطرق التي تركز عليها الهيئة في تعاملهم مع البيانات لإدارة وسائل النقل. على سبيل المثال تستخدم الهيئة البيانات الخاصة بالتنقلات والسفر لتحديد العملاء الذين يستخدمون طرق أو مسارات محددة بانتظام وإرسال تحديثات مناسبة لهم. وكما ذكرت لورين وينستن” إذا كنا نعلم أن عميل ما يستعمل محطة معينة بشكل متكرر يمكننا ضم بعض المعلومات عن التغييرات التي ستحصل في الخدمات في هذه المحطة مع التحديثات الخاصة به. نحن نتفهم بأن الناس يستقبلون الكثير من الرسائل البريدية في هذه الأيام وقد تكون أمرا ً مزعجا بعض الشيء. نحن نركز على إرسال رسائل مخصصة ومعلومات ذات صلة لعملائنا” 

أبرز النتائج

أصبح لدى الهيئة صورة أوضح من السابق عن نمط تنقلات الناس عند استخدام وسائل النقل في لندن وصولا إلى نمط الرحلات الفردية. إن هذا الكم الهائل من المعلومات التي توفرها البيانات سيسمح لهم بفهم عدة حالات مهمة منها: مقدار الضغط على وسائل النقل load profiles (مدى ازدحام حافلة معينة أو مجموعة من الحافلات في وقت معين)، التخطيط الأمثل لمناطق تبديل الحافلات والقطارات interchanges، تقليل أوقات المشي، والتخطيط لخدمات أخرى مثل عروض منافذ البيع داخل المحطات.

باختصار تساعد البيانات هيئة النقل على تقديم خدمات أفضل للعملاء. تستشهد لورين وينستن بمثال عندما اجبر مجلس (Wandsworth) على اغلاق جسر (Putney) – حيث تقطع الحافلات 11000 رحلة خلال أسبوع – لتصليحات طارئة. ” استطعنا قطع نصف عدد الرحلات التي تبدأ أو تنتهي بالقرب من جسر (Putney)”. الجسر كان لا يزال مفتوح للمشاة وراكبي الدراجات. لذلك كنا نعلم أن الناس لا يزالون بإمكانهم العبور او الوصول لوجهاتهم أو إكمال رحلاتهم على الجهة الأخرى، سواءً كانوا سكان محليين او وجهتهم كانت محلية. النصف الاخر منهم كانوا يعبرون الجسر في الخط السريع من رحلتهم. ومن أجل تلبية احتياجاتهم، تمكنا من تطوير خدمات تبديل وسائل النقل وخدمات الحافلات بطرق بديلة، كما أرسلنا رسائل شخصية الى المسافرين في المنطقة حول مدى تأثر رحلاتهم.

أثبتت رسائل البريد الالكترونية الشخصية الخاصة بالسفر فائدتها بشكل خاص حيث أفاد 83% من الركاب أن الخدمة كانت مفيدة أو مفيدة جدا ً. وليس سيئا عندما تأخذ بالحسبان أن التذمر من حالة وسائل النقل العامة تعتبر هواية لدى العديد من البريطانيين.

البيانات التي تم استخدامها

تستخدم الهيئة مجموعة من البيانات التي تجمع من خلال نظام التذاكر، أجهزة الاستشعار الموصولة بالمركبات وإشارات المرور واستطلاعات الرأي ومجموعات المناقشة وبالطبع وسائل التواصل الاجتماعي. وكما ذكرت لورين وينستن ” نحن نستخدم المعلومات الواردة من نظام الدعم لمعالجة الدفع عن بعد بالإضافة الى بطاقات (Oyster) ومواقع القطارات وبيانات إشارات المرور وتأجير الدراجات الهوائية والمخالفات”. كما يؤخذ بالاعتبار معلومات المناسبات الاستثنائية مثل كأس العالم للرجبي (Rugby world cup) ومناسبات رياضة الدراجات مثل عبور سباق فرنسا للدراجات عبر لندن. حتى يتمكنوا من تحديد وتنبيه الناس المتوقع تأثرهم.

التفاصيل التقنية

تعمل أنظمة هيئة النقل في لندن على مجموعة متنوعة من الأنظمة التقليدية بالإضافة الى أحدث الأنظمة التقنية. كما أن دمج أحدث استراتيجيات جمع البيانات مع النظام القديم لم تكن مهمة سهلة في مدينة ضخمة مثل لندن حيث يعمل نظام النقل العام فيها منذ عام 1829. بالتالي تحرص الهيئة على التخطيط الأمثل وبعناية فائقة لأفضل الطرق التقنية لدمج مجموعات متنوعة من مصادر البيانات. دائما ما يكون هناك مخاطر في المشاريع التقنية تتمثل في تكامل الأنظمة مع بعضها مما يعرض تلك الأنظمة لأن تكون غير جاهزة لأداء المهام بشكل دقيق عن حدوث أدنى خلل في عملية التكامل. لذلك اتخذت هيئة النقل في لندن نهجا ًعمليا ً للغاية لبناء مستودعات لبيانات عملائهم. اختبرت الهيئة الفوائد التجارية من تطبيق منهجيات البيانات الضخمة قبل بناء نظم التشغيل والأدوات الجديدة. بدأوا باستخدام SQL (لغة الاستعلامات) التحليلية على مجموعة صغيرة من نظام المعاملات المستخدم لتحصيل الإيرادات. ومع الإمكانيات الهائلة والمفيدة للتحليل قامت بقية أقسام الهيئة باستخدام هذا النهج والمطالبة بالمزيد. ومن ثم قررت هيئة النقل بالاستثمار في أداة Parallel Datawarehouse والتي تقدم خدمات تحليلية حديثة ومفتوحة المصدر. تتيح المنصة التحليلية لهيئة النقل في لندن مساحة هائلة لتحليل البيانات تبلغ 150 تيرابايت جاهزة للاستخدام في تقارير تحليلات الاعمال، بالإضافة الى playpen area لاختبار أدوات البيانات الجديدة والخوارزميات باتباع منهجية إثبات المفهوم ((POCs والتي يتم تقديمها من خلال تطوير البرمجيات باستخدام منهجية agile. بمجرد تقييم (POCs) ومدى إمكانية توفر فوائد تجارية سيتم تطوير الأدوات الجديدة ودمجها في أنظمة مستودعات البيانات. تتضمن خطط التطوير المستقبلي زيادة القدرة على التحليلات الفورية والعمل على دمج نطاقات أوسع من مصادر البيانات لتخطيط الخدمات بشكل أفضل ورفع معدل رضا العملاء.

أبرز التحديات 

في مترو أنفاق لندن (المعروف أيضا باسم Tube) اعتاد الركاب على تمرير بطاقاتهم أو تذاكرهم عند الدخول والخروج ليتم التحقق من صحة التذاكر (بواسطة حواجز آلية) في بداية ونهاية الرحلة لأن أجرة الركوب تختلف حسب المنطقة (zonal basis). ولكن في الحافلات لا توجد آلية لتسجيل أين يغادر الركاب الحافلات بسبب أن أجرة استخدام الحافلات ليست بناء على المسافة التي قطعوها وإنما أجرة ثابتة. فكما ذكرت لورين وينستن ” تتبع رحلات العميل كان تحديا ً بالنسبة لنا “، لذلك عملت هيئة النقل في لندن مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT واحدا ً من المعاهد الاكاديمية المرموققة والتي لدى الهيئة شراكة بحثية معهم لابتكار حلول للبيانات الضخمة. تقول لورين وينستن ” أردنا معرفة ما إذا كان بإمكاننا استخدام البيانات الضخمة للإجابة على الأسئلة المجهولة السابقة. كان لدينا بعض البيانات للرحلات التي تظهر أين قام العملاء بتمرير تذاكرهم أو بطاقاتهم عند الركوب لذلك كان علينا البدء بتلك البيانات لسد النقص في المعلومات . قمنا بالتساؤل ‘هل بإمكاننا استخدام البيانات الضخمة لاستنتاج أين خرج راكب ما؟’ نحن نعلم اين هي الحافلة لأننا نملك بيانات الموقع ونملك أيضا بيانات ركوب عملائنا من خلال بطاقات (Oyster) “. ” ما نقوم به هو النظر لسجل سفر عميل ما لمعرفة مكان اللمسة (مكان تمرير البطاقة) التالية  فإذا رأينا اللمسة التالية بعد فترة وجيزة وهي عند مدخل مترو الانفاق، فسوف نعلم أننا نتعامل مع رحلة واحدة متعددة الوسائل باستخدام الباص ومترو الأنفاق”.

خاتمة

من الواضح أن البيانات الضخمة لعبت دورا ً كبيرا ً في إعادة تنشيط شبكة وسائل النقل في لندن ولكن الأهم من ذلك أنه تم تنفيذها بطريقة ذكية مع التركيز على الفائدة كما شرحت لورين وينستن ” لماذا نسأل هذه الأسئلة؟” من المهم أن ندرك الأفكار التي نحصل عليها من تحليل البيانات الضخمة في بعض الأحيان ” معرفتها مثيرة للاهتمام” فقط.” ” نحاول دائما ان نعود للأسئلة الكبرى – النمو في مدينة لندن وكيف يمكننا تلبية هذا الطلب المتزايد – من خلال إدارة الشبكة والبنية التحتية بأكبر قدر ممكن من الكفاءة”. 

فهم ما تريد تحقيقه هو المفتاح الأساسي لاستخدام البيانات بنجاح. من السهل جدا ً تشتيت انتباهك بالإمكانيات الهائلة للبيانات الضخمة، لذا فالحفاظ على تركيز قوي على أهدافك الرئيسية والتحديات سيساعدك كثيرا ً في التركيز على الوصول إلى البيانات التي تساعد على تحقيق الأهداف وتجاوز التحديات.

لمزيد من المعلومات والمراجع:

لمعرفة المزيد حول استخدام هيئة النقل في لندن لتحسين تجربة العملاء عن طريق

https://tfl.gov.uk/cdn/static/cms/documents/big-data-customer

experience.pdf