استخدام البيانات الضخمة في الإعلام (تجربة قناة بي بي سي)

 

ترجمة: ريما فواز.

مقدمة

تعد هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) واحدة من أكبر المؤسسات الإعلامية في العالم، وتتمتع بصفتها هيئة إذاعية عامة بصلاحيات فريدة نسبياً للعمل دون تمويل من المعلنين، مما يمكنها للعمل دون تدخل الشركات. كذلك، فإن برامجهم المدفوعة تمنحهم بعض الحرية في الابتكار، فعندما لا تضطر الهيئة للقلق بشأن جذب اموال اعلانية كبيرة، حينها يمكنهم المجازفة في نوعية البرامج والإنتاج. ونظرا ً لأن نسبة كبيرة من إنتاج بي بي سي أصبح رقميا الآن، من خلال خدماتهم على iPlayer وBBC Online، فإنهم ينتجون كميات متزايدة من البيانات ثم يحللونها لتطوير منتجات تناسب جمهورهم.

ما هي التحديات التي ساعدت البيانات الضخمة في حلها؟

ذكر جون ريث أن لدى بي بي سي أول مدير عام للشركة متخصص في انتاج محتوى ذو فائدة يتم تعريفه على أنه محتوى إما “تثقيفي، أو تعليمي أو ترفيهي “. وعلى الصعيد الدولي فهم يعملون بشكل مختلف قليلاً، فالإعلانات التجارية تعتبر مصدرا ً أساسيا ً من مصادر الإيرادات في بي بي سي العالمية حيث أنهم يتنافسون مع محطات البث في القطاع الخاص ووسائل الإعلام الإخبارية في هذا السوق.

وهذا يعني أن المشكلة التي تواجه بي بي سي في الأساس هي: كيفية إنتاج محتوى يجذب الجمهور من خلال محتوى الهادف.

فالمحتوى الرقمي لا يتم تقديمه بطريقة تسلسلية (كما هو الحال مع التلفزيون أو الراديو أو الصحف التقليدية المجدولة) فهو يمنح الجمهور القدرة على إنتاج جداولهم الخاصة من خلال اختيار ما يريدون قراءته أو مشاهدته أو الاستماع إليه بعد ذلك. مما يعني أنه يجب جذب انتباه الجمهور بكل طريقة ممكنة، على عكس الزمن الماضي حيث كان من المعروف أنه يتم جذب المشاهدون بعرض النجوم المشهورين في وقت الذروة على أمل أن يحظوا باهتمامهم لبقية المساء.

كيف تم استخدام البيانات الضخمة عمليا؟

تشتهر بي بي سي في جميع أنحاء العالم بتقاريرها الإخبارية، فكان استخدام تحليلات البيانات لتحسين عمق وشمولية التقارير ووقت إنتاجها ونشرها جزءًا رئيسيا ً من استراتيجية بي بي سي للبيانات الضخمة.

ففي عام 2013 أعلنت بي بي سي عن البحث عن شركاء لمشاريع البيانات الضخمة، وعرضت على الشركات 18 مليون جنيه إسترليني لمساعدتها على تطوير منصات واطارات للتحليلات وللنمذجات التنبؤية. فكانوا يبحثون تحديدا ً عن المساعدة في توصيات المحتوى باستخدام الخوارزميات أو ما يعرف بأنظمة التوصية (تحديد أي من البرامج التلفزيونية أو التقارير الإخبارية يفضلها المشاهد بعد برنامجه الحالي) بالإضافة إلى تحليلات وسائل التواصل الاجتماعي.

تهدف إحدى المبادرات، المعروفة باسم myBBC، إلى التحقيق في علاقة الشركة مع جمهورها، وتعميق هذه العلاقة من خلال تطوير محتوى أكثر صلة لمنصات BBC الالكترونية، وتشجيع المزيد من التواصل مع المشاهدين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وتوفير رؤى يمكن أن ترشد فرق التحرير والمحتوى الإبداعي حول تفضيلات المشاهدين.

كما فريق التحليل تقنيات التعرف على الوجه لقياس استجابة الجمهور لبرامج التلفزيون. فعلى سبيل المثال، أثناء التجارب قام ما يعرف بمختبر معاينة الشاشة التابع للشركة بمراقبة ردة فعل المشاهدين على 50 عرضا ً تلفزيونيا ً مختلفا ً في أربعة بلدان باستخدام الكاميرات المصممة لمراقبة وجوه المشاهدين وتحليل مشاعرهم أثناء مشاهدة تلك البرامج. ففي إحدى التجارب تمت مراقبة عدد من الأسر في أستراليا لالتقاط ردود أفعالهم أثناء مشاهدتهم لإعلان الحلقة الاولى لبرنامج شارلوك.

فماذا كانت النتائج؟

اكتشف الباحثون من نتائج التجربة في أستراليا أن المشاهدين الذين استمروا في تقييم العرض إلى حد كبير أظهروا ردود فعل أكبر للأحداث على الشاشة التي وصفت بأنها “مفاجئة” أو “حزينة”، بدلاً من “مضحكة “. وقد أدى ذلك إلى قيام منتجي البرنامج بإدراج عناصر أكثر سوداوية وإثارة في العرض والبرامج والتقليل من المشاهد الكوميدية.

ما هي البيانات التي تم استخدامها؟

تجمع  بي بي سي البيانات حول متى وكيف يتم مشاهدة برامجها من خلال خدمة iPlayer. كما تُجمع وتُرصد المعلومات المتعلقة باستخدام منصة هيئة الإذاعة البريطانية على الإنترنت. يتم تعزيز ذلك بالمعلومات الديموغرافية التي يتم جمعها إما من المستخدمين عند التسجيل في الخدمات أو من السجلات العامة. كما يستخدمون تحليل وسائل التواصل الاجتماعي لقياس ردود فعل الجمهور لبرامجهم التي يتابعونها. ويلتقط مشروع Preview Screen Lab تعابير ومشاعر الجماهير التي يراقبها.

ما هي التفاصيل التقنية؟

 جميع الصحفيين في قسم الأخبار عبر الإنترنت في بي بي سي مدربين على المهارات الأساسية لتحليل البيانات، بما في ذلك استخدام جداول إكسل وجوجل فيوجن “لاستجواب” البيانات وتحويلها إلى قصص.

بالنسبة لمجموعات البيانات الضخمة يعتمد المحللون على عدة تقنيات بما في ذلك MySQL وApache Solr. ويضم فريق الصحافة أشخاصا ً لديهم المهارات الأساسية في تطوير البرمجيات، ويميل هؤلاء إلى التخصص في لغات البرمجة المناسبة لعلوم البيانات مثل لغة R ولغة البايثون.

ماهي التحديات التي تم التغلب عليها؟

باعتبار أن هيئة الإذاعة البريطانية هيئة إذاعة عامة، فهي مسؤولة بشكل مباشر أمام كل من الحكومة ودافعي الضرائب، فقد أقرت الهيئة اتباعها نهجا ً أكثر تحفظا ً تجاه الخصوصية وحماية البيانات مقارنة بما تظهره المؤسسات الإعلامية في القطاع الخاص.

قال مايكل فليشمان، رئيس قسم التقنيات الرقمية الاستهلاكية في بي بي سي العالمية، لمجلة Web Computing: “تتخذ بي بي سي ككل نهجا ً محافظا ً للغاية، فهناك نقاط تفتيش مكثفة من الناحية التنظيمية والعملية للتأكد من التزامنا بهذا النهج المحافظ “.

ويقال أن المبدأ الشامل في بي بي سي فيما يتعلق بمشاريع البيانات الضخمة هو أنه إذا كانت هناك مخاوف تتعلق بالخصوصية أو قد تعرض حماية البيانات للخطر، فلن يتم وضع المشروع موضع التنفيذ.

والتحدي الآخر الذي تواجهه هيئة الإذاعة البريطانية هو قابلية التوسع. فنظرا ً للطريقة الفريدة التي يتم بها تمويل المؤسسة لا يُسمح لهم بالترويج لخدماتهم في المملكة المتحدة، حيث يتم استهلاك الجزء الأكبر من إنتاجهم. مما يعني أن الارتفاع الهائل في أعداد المشاهدين لجزء معين من المحتوى مثل تقرير إخباري شائع جدًا، لا يعني الارتفاع في معدل الإعلان الذي تتوقعه الخدمة التجارية. وكما قال كبير المهندسين التقنيين في بي بي سي، ديرك ويليم لماكوورلد في عام 2011: “دخلنا يبقى كما هو، ونحن لا نحصل على أي مبلغ أكثر من ذلك، لذلك عندما نحصل على عشرة أضعاف عدد المستخدمين، علينا أن نجد طريقة للقيام بالأشياء أقل سعرا ً بعشرة أضعاف.”

ولهذا السبب تم تطوير البنية التحتية التقنية المستخدمة لتشغيل عملية بيانات هيئة الإذاعة البريطانية على مبدأ أنها يجب أن تكون فعالة من حيث التكلفة قدر الإمكان. وشملت التدابير بناء حواسيب خدمة خاصة بها، للحد من الاعتماد على الحلول الجاهزة، واستخدام وسائط الأشرطة للتخزين بدلا من الأقراص الصلبة التي تعتبر أكثر تكلفة بسبب أعطالها المتكررة مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الصيانة.

ما هي نقاط التعلم الرئيسية؟

البيئات الرقمية التي تعمل فيها الشركات الإعلامية الحديثة تعني أنها في موقع مثالي للاستفادة من الاستخدام المتزايد لتقنيات البيانات الضخمة. وينطبق هذا سواء كانت ممولة من القطاع العام أو الخاص – وفي كلتا الحالتين فإن الهدف هو زيادة حصة الجمهور من خلال توفير محتوى ذو قيمة أكبر مقارنة بالمنافسين.

تتمتع هيئة الإذاعة البريطانية ببعض المزايا (مثل عدم الحاجة إلى إبقاء المعلنين سعداء) مما يعني أن لديهم حرية أكثر في إنتاجهم دون الحاجة المستمرة لإثبات أن ابتكارهم سيؤثر على النتيجة النهائية للشركة.

ومع ذلك فإنها تواجه أيضا ً تحديات فريدة، بما في ذلك الحاجة الأكبر إلى أخذ خصوصية البيانات وأمنها على محمل الجد. وبما أنهم مسؤولون أمام الجمهور والبرلمان من خلال رسوم الترخيص التي يدفعونها، فإن الانتهاكات أو الانزلاق في هذا المجال يمكن أن يكون له تداعيات سياسية سلبية ومن غير المرجح أن يتم التسامح معها.

 

المصادر:

WSJ (2015) BBC facial recognition software analyzes audience response-

BBC Facial Recognition Software Analyzes Audience Response – WSJ

-Palmer, D. (2014) BBC’s conservative approach to data makes our jobs

a little harder, 

https://www.computing.co.uk/news/2379410/bbcs-conservative-approach-to-data-use-makes-our-jobs-a-little-harder

Essers, L. (2011) BBC-

 Tackles big data dilemma smart it structuring https://www.macworld.com/news/apple/bbc-tackles-big-data-dilemma-smart-it-structuring-3288278

لمزيد من المعلومات حول البيانات في المجال الإعلامي:

Data Journalism at the BBC | DataJournalism.com