تحليل انتشار المعلومات المضللة حول فايروس كورونا


ترجمة: بتول الحماده

تدقيق: شروق السنان

نظرة عامة:

في منتصف فبراير أعلنت منظمة الصحة العالمية أن جائحة الفيروس التاجي الجديد كانت مصحوبة بتفشي المعلومات الخاطئة، وأيدها في ذلك العديد من الصحفيين والسياسيين والأكاديميين الذي أكّدوا أن التضليل حول العلوم والتكنولوجيا والصحة لا يُعد أمراً جديداً أو مقتصراً على COVID-19 ، خصوصاً مع تزامنها مع أزمة صحية غير مسبوقة، حيث أنّ المعلومات الخاطئة حول الوباء تشكل خطراً جسيماً على الصحة والإجراءات العامة.

وصفت كريستينا تاردجويلا المديرة المساعدة للشبكة الدولية لتقصي الحقائق (IFCN) فايروس COVID-19 على أنّه أكبر تحدي واجهه مدققو الحقائق على الإطلاق، حيث توسعت وسائل الإعلام بعمل تغطيات إعلامية مكثفة عن الوباء، في حيث شددت الشركات وبعض منصاب التواصل الاجتماعي على معايير المجتمع او مايعرف بـ community standards للحد من انتشار المحتوى المضلل، كما أنشأت بعض الحكومات – كالمملكة المتحدة وغيرها – وحدات حكومية مختلفة لمواجهة المحتوى الضار المحتمل جرّاء هذه الجائحة.

تستخدم منصات التحقق عينة من عمليات فحص الحقائق او مايعرف بـ fact-checks لتحديد بعض الأنواع الرئيسية والمصادر والمزاعم الخاصة بتضليل معلومات COVID-19 التي شوهدت حتى الآن. و بالاستناد على تحليلات (Hollowood and Mostrous 2020; EuVsDIS 2020; Scott 2020)، نقوم بدمج تحليل المحتوى المنهجي للادعاءات التي تم التحقق منها بشأن الفيروس والوباء، مع بيانات وسائل التواصل الاجتماعي التي تشير إلى حجم ونطاق التفاعل (engagements) مع هذه الادعاءات.

حصل الباحثون على ٢٢٥ عينة من المعلومات المضللة التي جمعتها First Draft News بالاستناد إلى مدونة حاسوبية (corpus) لعمليات فحص الحقائق باللغة الانجليزية، مع التركيز على المحتوى المصنف على انه كاذب أو مضلل، وتتضمن هذه المدونة مجموعة من المقالات حتى نهاية شهر مارس ومصدرها الشبكة الدولية لتقصي الحقائق (IFCN) وأدوات Google لتقصي الحقائق. قام الباحثون بتقييم منهجي لكل عينة وترميزها ومن ثم تصنيف نوع المعلومة المضللة ومصدرها والمزاعم التي تحتويها و الدافع من وراءها.

بالإضافة إلى ذلك، جمعت بيانات التفاعل لكل عينة بهدف قياس مستوى الوصول والتفاعل مع البيانات المضللة في وسائل التواصل الاجتماعي. وأظهرت نتائج الدراسة أن 88٪ من المعلومات المظللة مصدرها منصات التواصل الاجتماعي، بينما 9 ٪ من العينة فقط مصدرها التلفاز، و8 ٪ من  وكالات الأنباء، و7 ٪ من مواقع أخرى متفرقة. 

عندما نتحدث عن المعلومات المضللة او الخاطئة، فإننا نستند على المعلومات التي تم تصنيفها على أنها كاذبة أو مضللة من قبل مدققي حقائق محترفين.

في حين يعد فحص الحقائق طريقة موثوقة لتحديد المعلومات المضللة، إلا أن عمل مدقق الحقائق لا يتضمن بالضرورة معالجة كل معلومة مضللة، كما قد يتضمن عملهم بعض المحابات في الاختيار من مصادر دون الأخرى، بالإضافة إلى ذلك، فإن مدققو الحقائق لديهم صلاحيات محدودة في الوصول إلى المعلومات الخاطئة التي تنتشر في القنوات الخاصة (Graves 2016) كالتي يتم مشاركتها عن طريق البريد الالكتروني، والمجموعات المغلقة، والرسائل الخاصة، وما إلى ذلك. 

لذلك، تُعدّ بيانات التفاعل مع مشاركات وسائل التواصل الاجتماعي التي تم تحليلها مؤشراً على مشاركة أوسع مع المعلومات الخاطئة والتعرض لها سواء عبر الانترنت أو غيره. وبالرغم من احتمالية تكرر المطالبات ونشرها في حسابات متعددة  غير مدرجة في هذه العينه، إلا أنّ بيانات التفاعل والمشاركة تعد مؤشراً إلى حدٍ ما على إمكانية الوصول للمطالبات المختلفة.

وبالتالي، فإن هذا التحليل ليس شمولياً حيث أنه لم يتم فحص المعلومات المضللة المنتشرة عبر منصات مشاركة الصور وتطبيقات المراسلة، أو مواقع مثل Reddit، أو عبر وسائل الإعلام أو الاتصالات الحكومية، كما أنه ليس شاملاً كونه يركز على عينة من فحوصات الحقائق باللغة الإنجليزية فقط، إلا أننا نعتقد أن هذا التحليل هو خطوة للأمام لفهم حجم ونطاق المشاكل التي نواجهها.

النتائج الرئيسية:

في هذه الورقة البحثية ، تم تحديد بعض الأنواع الرئيسية والمصادر والمطالبات الخاصة بالمعلومات الخاطئة أو المضللة حول COVID-19 في فترة جمع البيانات. قام الباحثون بتحليل عينة مكونة من 225 عينة من المعلومات التي تم تصنيفها على أنها خاطئة أو مضللة من قبل مدققي الحقائق ونشرت باللغة الإنجليزية بين يناير ونهاية مارس 2020، مستمدة من مجموعة من عمليات فحص الحقائق التي جمعتها First Draft News.

 

تحتوي هذه الصورة على سمة alt فارغة؛ اسم الملف هو Picture-2.png

 

• من حيث الحجم، و استجابة للنمو في حجم وتنوع المعلومات الخاطئة، فقد زاد عدد عمليات التحقق من المعلومات المتعلقة بـ COVID-19 بشكل كبير خلال الأشهر الثلاثة الماضية كما هو موضح في (الشكل 1). يبدو أن العديد من منافذ التحقق من الحقائق حول العالم تكرس الكثير من وقتها ومواردها للكشف عن الادعاءات بشأن الوباء. ومع ذلك، تواصل منظمات التحقق من الحقائق العثور على ادعاءات جديدة للتحقيق، وتكشف عن كمية كبيرة من المعلومات الخاطئة المتداولة.

 

تحتوي هذه الصورة على سمة alt فارغة؛ اسم الملف هو Picture-3.png

 

• فيما يتعلق بشكل التحريف، فقد لُوحظ أنه عوضاً عن تحريف المعلومات بشكل كامل، فإن المعلومات الصحيحة يتم تحريفها جزئياً لتغيير المحتوى أو تضمينها في سياق خاطئ لتحريف المعنى. توصل الباحثون إلى أنّ 59٪ أي معظم المعلومات الخاطئة في العينة تتضمن عناصر متنوعة لمعلومات مزيفه أو معاد صياغتها، في حين تمثّل 38٪ من العينة معلومات مُختلقة وغير صحيحة. وعلى الرغم من تزايد مستويات القلق في الآونة الأخيرة حول المعلومات المضللة بما يخص فايروس كورونا،  إلا أنه لا يوجد أمثلة على التزييف العميق في العينة كالمعلومات المُحرّفة بشكل كامل، أو المعلومات التي تم اختلاقها آلياً باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، عوضاً عن ذلك، يتضمن المحتوى الذي تمت معالجته “تزييف رخيص” تم إنتاجه باستخدام أدوات أبسط بكثير كتلك المستخدمة في تنقيح وتحرير الصور والأفلام. تمثل المعلومات الخاطئة التي أعيدت صياغتها 87٪ من تفاعلات الوسائط الاجتماعية في العينة؛ بينما بلغت نسبة المحتوى الملفق 12٪ فقط.

 

تحتوي هذه الصورة على سمة alt فارغة؛ اسم الملف هو Picture-٤.png

 

• فيما يتعلق بمصادر المعلومات الخاطئة، فقد أظهرت النتائج أنّ مصدر انتشار المعلومات المضللة قد يكون من الأشخاص المؤثرين (من الأعلى إلى الأسفل)، أو العكس (من عامة الناس وصولاً للأشخاص الأكثر تأثيراً) على حدٍ سواء. وشكلت المعلومات الخاطئة (من الأعلى إلى الأسفل) كتلك التي تصدر من المؤثرين السياسيين والمشاهير وغيرهم من الشخصيات العامة البارزة 20٪ فقط من الادعاءات في العينة، إلا أنّه لُوحظ أن هذه النسبة البسيطة كانت سبباً في 69٪ من إجمالي المشاركات والتفاعل في وسائل التواصل الاجتماعي. وبالرغم من ذلك، لا يمكن الاستهانة إطلاقاً بتأثير المعلومات المضللة التي تبدأ من (الأسفل إلى الأعلى) حيث أن غالبية المعلومات الخاطئة على وسائل التواصل الاجتماعي جاءت من عامة الناس وبالرغم من أن معظم هذه المنشورات تولد مشاركة وتفاعل أقل بكثير من تلك الصادرة من مشاهير أو سياسيين، إلا أن بعض هذه المشاركات تسببت في تفاعل ملحوظ عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ويصعب تحديد القوى المحركة لمثل هذه المشاركات المضللة من العامة حيث أن أسبابها تكون مبهمة في أغلب الأحيان.

 

تحتوي هذه الصورة على سمة alt فارغة؛ اسم الملف هو Picture-5.png

 

• فيما يتعلق بالمطالبات في العينة، فإن أكثر المطالبات شيوعًا كانت تتعلق بالإجراءات أو السياسات التي تتخذها السلطات العامة لمعالجة COVID-19 ، سواء كانت الحكومات الوطنية / الإقليمية / المحلية الفردية ، أو السلطات الصحية، أو الهيئات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة (انظر الشكل 4).

أما النوع الثاني الأكثر شيوعًا من الادعاءات فهو يتعلق بانتشار الفيروس من خلال المجتمعات. وقد تراوح ذلك بين الادعاءات المتعلقة بالمناطق الجغرافية التي شهدت الإصابات الأولى للفايروس، إلى المحتوى الذي يركز على لوم جماعات عرقية معينة لنشر الفايروس.

وتجدر الإشارة إلى أن المعلومات الخاطئة حول الإجراءات الحكومية وانتشار الفيروس بشكل عام تشكل تحدياً وعائقاً كبيراً في وجه المعلومات الرسمية التي تحاول السلطات العامة المختلفة إيصالها للناس سواء كان ذلك لإعلان سياساتها المباشرة أو توفير معلومات عامة ملحة. وبالرغم من أن بروز وشهرة المواضيع المتعلقة بالفيروس قد يجعل وظيفة المدققين أسهل في التحقق من صحة المعلومة إلا أنه قد يكون مؤشراً على أن بعض الحكومات لم تنجح في تقديم معلومات واضحة ومفيدة وموثوقة لمعالجة الأسئلة العامة الملحة، ولا شكّ أن غياب المعلومات الكافية من الحكومات والجهات الرسمية قد يتسبب في سد تلك الثغرات بمعلومات خاطئة ومضللة في الفهم العام، كما قد يتسبب في فقد الثقة في الحكومات ويحول دون رغبة الأفراد بالاتصالات الرسمية مع الجهات المعنية للتحقق بشأن هذه الأمور.

 

تحتوي هذه الصورة على سمة alt فارغة؛ اسم الملف هو Picture-6.png

 

• فيما يتعلق بالردود، فقد استجابت منصات وسائل التواصل الاجتماعي لغالبية المنشورات التي تم تصنيفها على أنها كاذبة او مضللة من قبل مدققي الحقائق بإزالتها أو إرفاق تحذيرات مختلفة حولها. ومع ذلك، فإن هناك اختلافاً كبيراً من شركة إلى أخرى فيما يتعلق بالتفاعل مع البلاغات، حيث نجد أن المشاركات التي تم تصنيفها على أنها خاطئة في عينة البحث من قبل مدققي الحقائق لا تزال منتشرة على تويتر بنسبة  59٪، وعلى YouTube بنسبة 27٪، وفي Facebook بنسبة 24٪ وجميعها من المحتوى المصنف بالكاذب أو المضلل في العينة بدون إضافة أي تحذير.

النتائج والتوصيات:

يشير هذا التحليل إلى أن المعلومات الخاطئة حول COVID-19 تتنوع في أشكالها ومصادرها المختلفة، وتقدم العديد من الادعاءات. وفي الغالب يتم تحريف المحتوى الحالي الصحيح والموثوق بدلاً من ابتداعه بالكامل، وحتى عندما يتم التلاعب بالمحتوى، فإن ذلك يتم باستخدام أدوات بسيطة.

وبالنظر لنطاق وخطورة الوباء، تلعب وسائل الإعلام المستقلة ومدققو الحقائق والإجراءات التي تتخذها المنصات وغيرها دوراً مهماً في معالجة المعلومات الخاطئة المتعلقة بالفيروسات. يمكن أن يساعد مدققو الحقائق في فرز المحتوى الخاطئ من الحقيقي، والتدقيق حول الادعاءات المضللة.

تشير النتائج التي تم التوصل إليها إلى أن الكثير من المعلومات الخاطئة بشكل مباشر أو غير مباشر تشكك في إجراءات أو كفاءة السلطات العامة (بما في ذلك الحكومات والسلطات الصحية والمنظمات الدولية) ونشير إلى أنه سيكون من الصعب على تلك المؤسسات معالجتها أو تصحيحها بشكل مباشر دون مواجهة مشاكل متعددة. في المقابل، يمكن أن يقدم مدققو الحقائق المستقلون تحليلاً موثوقاً للمعلومات الخاطئة ومساعدة المنصات على تحديد المحتوى المضلل والمثير للمشاكل، تماماً مثلما يمكن لوسائل الإعلام المستقلة أن تقدم تقارير موثوقة حول استجابة الحكومات (بدرجات متفاوتة من النجاح) للوباء.

يتضح أيضًا من خلال هذا التحليل إلى أن الشخصيات العامة البارزة تواصل لعب دور كبير في نشر المعلومات الخاطئة حول COVID-19. بالإضافة إلى ذلك، فإنه على الرغم من أن نسبة قليلة فقط من المعلومات المضللة الفردية في النموذج المستخدم تأتي من سياسيين بارزين ومشاهير وشخصيات عامة أخرى، إلا أن هذه الادعاءات غالباً ما تتمتع بمستويات عالية جداً من المشاركة والتفاعل في مختلف منصات وسائل التواصل الاجتماعي. 

ربما تساعد الرغبة المتزايدة لبعض وسائل الإعلام في كشف أكاذيب السياسيين البارزين لمواجهة ذلك (على الرغم من أنها تخاطر بإقصاء أقوى مؤيديها). وبالمثل، فإن القرار الذي اتخذته Twitter وFacebook وYouTube في أواخر شهر مارس لإزالة المنشورات التي نشرها الرئيس البرازيلي يير بولسونارو لاحتوائها على معلومات مضللة عن الفيروس التاجي، كان لحظة مهمة في كيفية تعامل شركات ومنصات التواصل الاجتماعي مع المشكلة المتمثلة في كون جزء من المعلومات الخاطئة قد يأتي من القمة.

إن الخطر الرئيسي من تجاهل تنوع المعلومات الخاطئة والمضللة للفيروسات التاجية هو بافتراض أنه يمكن أن يكون هناك حل واحد لهذه المشاكل مجتمعة، والبديل لهذا الاعتقاد الخائي هو ما توصلت إليه نتائج هذا البحث، حيث أنه لن تكون هناك رصاصة فضية أو “علاج” وحيد للتضليل حول الفيروس التاجي الجديد. لذا، فإن معالجة انتشار المعلومات الخاطئة حول COVID-19 ستحتاج إلى جهد مستمر ومنسق من قبل مدققي الحقائق المستقلين ووسائل الإعلام الإخبارية المستقلة والشركات والمنصات والسلطات العامة لمساعدة الجمهور على فهم هذا الوباء.

***

Brennen, J. S., Simon, F., Howard, P. N., & Nielsen, R. K. (2020). Types, sources, and claims of Covid-19 misinformation. Reuters Institute7, 3-1.‏