استخدام البيانات الضخمة لزيادة فعالية الإعلانات (تجربة شركة فيسبوك)

ترجمة: أمل محمد

مراجعة: محمد كامل

مدخل

فيسبوك، وبشهادة شريحة لا يستهان بها، لا تزال أكبر شبكة للتواصل الاجتماعي في العالم. حيث يستخدمها الكثير الأشخاص من الأبناء وحتى الأجداد للتواصل مع أصدقائهم، ومشاركة مناسباتهم المميزة، بالإضافة إلى تنظيم الفعاليات الاجتماعية. كما يستخدمه ملايين الأشخاص يوميا لقراءة الأخبار، والتواصل مع الشركات، واتخاذ قرارات شرائية. وكما هو الحال في جميع شبكات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، تقدم فيسبوك خدماتها بالمجان لكافة مستخدمي البرنامج. حيث تحصل الشركة على المال من المشاريع التي يدفع أصحابها مبالغ مقابل الحصول على البيانات والمعلومات التي تجمعها حول مستخدميها، وتستخدمه في دفع أجور موظفيها، الذي يزيد عددهم عن ١٠٠٠٠ موظف، والاستمرار في تقديم خدماتها. وقد أعلنت شركة فيسبوك هذه السنة عن استقطابها لمليونين معلن فعال، أغلبهم يعمل لشركات صغيرة أو متوسطة، يدفعون المال مقابل عرض إعلاناتهم لأشخاص قد يهمهم ما يقدمونه.

ما هي التحديات التي تساعد البيانات الضخمة في حلها في هذا القطاع؟  

لكي تستمر الشركات تحتاج إلى بيع منتجاتها وخدماتها. ولفعل ذلك، لابد من إيجاد مستهلكين وزبائن لهذه المنتجات. وبناء على الطريقة التقليدية كان هذا يتم بالإعلان بطريقة “إذاعية،” مثل: الجرائد والتلفاز والراديو وعرض العمل الإعلاني، وذلك يعتمد على مبدأ أنه إن عرضت عملك في أكثر الأماكن بروزا ستضمن أن يشاهده عدد كبير من الناس وبالتالي يحتمل أن يكون بعضهم مهتم بما تقدمه. لكن هذه الطريقة بالتأكيد تعد طريقة عشوائية. وبالنسبة لشركة ضخمة ومتعددة الجنسيات، من المؤكد أن يزيد إعلان تلفزيوني يُعرض خلال المباراة الأمريكية النهائية من انتشارها وعرض اسمها أمام مستهلكين محتملين. ولكن عندما نتحدث عن شركة صغيرة ناشئة، فإنه لابد من التفكير بحكمة وحذر حول أكثر الطرق فاعلية لصرف الميزانية المخصصة للتسويق. ومثل هذه الشركات لا يمكنها الإعلان بمختلف الطرق ولجميع الفئات، لذلك تعد الأدوات التي تمكنها من معرفة هوية مستهلكيها ومكان تواجدهم في غاية الأهمية.

كيف استخدمت البيانات الضخمة؟  

زود التوسع السريع في عالم الإنترنت خلال العقدين الأخيرين المعلنين بطريقة بسيطة لعمل ذلك. ولأن المواقع تعمل على أجهزة الحاسوب، وليس في الصحف أو لوح الإعلانات، فيمكن التعرف على كل زائر مستقل باستخدام البرنامج المشغل للموقع. حيث تملك منصة فيسبوك، الذي يبلغ عدد مستخدميها المتفاعلين شهريا ١.٥ مليار، صلاحية الوصول إلى عدد كبير من المعلومات المتعلقة بالمستخدمين أكثر من أي منصة أخرى. وتعد المعلومات شخصية الأكثر أهمية، فبينما يمكن لبعض برامج التصفح مثل قوقل تعقب عدد مرات زياراتنا لصفحات معينة (والتي يمكن لمنصة فيسبوك حاليا القيام بها) واستنتاج الكثير عنا بالاعتماد على عاداتنا في التصفح، فإن برنامج فيسبوك يملك كامل الصلاحية للوصول إلى معلوماتنا الديموغرافية مثل: مكان عيشنا، وعملنا، ومتعتنا، وعدد أصدقائنا، وكيفية قضائنا لأوقات فراغنا، وكذلك كتبنا وأفلامنا المفضلة. حيث يمكن، على سبيل المثال، لناشر كتاب أن يدفع لفيسبوك مقابل وضع إعلاناته أمام ملايين الأشخاص ممن يفضلون كتب مشابهة وكذلك مطابقة الملفات التعريفية الديموغرافية لمستخدمي فيسبوك. وتُستخدم البيانات التي تخص المستخدمين خلال تصفحهم لمنصة فيسبوك لمطابقتها مع الشركات التي تقدم المنتجات والخدمات التي من المحتمل أن يكونون مهتمين بها. وبلا شك، فإن فيسبوك تملك أكبر قاعدة بيانات للمعلومات الشخصية وأكثرها وضوحا ويزيد اتساعها في كل جزء من الثانية. وبالإضافة إلى اعتبار فيسبوك منصة لتبادل الرسائل، فإنه يعد أيضا مشغل لبرامج عدة. حيث أنشئ أكثر من نصف مليون تطبيق خصيصا لبرنامج فيسبوك، وأغلبها يستفيد من الصلاحية التي يمنحها التطبيق من خلال APIs خاصة لبيانات المستخدم. حيث تجمع هذه التطبيقات بدورها معلومات عن كيفية استخدامها ومن ثم يستفيد مطوروها في عرض الإعلانات على عملائها. كما تتسع شركة فيسبوك بشرائها لشركات وخدمات أخرى وإضافة ما تزوده تلك الشركات من بيانات لمخزونها. حيث استحوذت الشركة في السنوات الأخيرة على خدمات برنامجي انستقرام وواتساب مما أضاف لها المزيد من المعلومات حول كيفية استخدامنا للصور والرسائل اللحظية. ومما يثير الاهتمام أيضا، أنهم استحوذوا كذلك على مصانع سماعات رأس الواقع الافتراضي (أوكولوس). وعلق البعض على الحاصل بأن شركة فيسبوك مهتمة بتطوير خدماتها بحث يمكننا التواصل بالواقع الافتراضي بدلا من الشاشات المسطحة. والتحكم في أفعالنا في هذه العوالم الافتراضية الجديدة والمثيرة سيكون بلا شك مصدر مهم لبيانات جديدة في المستقبل القريب.

ماهي أبرز النتائج؟  

أدت الاستراتيجية التي اتبعتها فيسبوك من استغلال ثروتها الهائلة من بيانات المستخدمين لبيع المساحات الإعلانية، لامتلاك حصة بنسبة ٢٤٪ من سوق الإعلانات المعروضة على الإنترنت في عام ٢٠١٤، والتي تدر على الشركة ما يقارب ٥،٣ مليار دولار من عائدات بيعهم للإعلانات، وقد ارتفعت كما هو متوقع في عام ٢٠١٧ لتصبح بنسبة ٢٧٪، أي ما يعادل أكثر من ١٠ مليار. 

ما هي البيانات التي تم استخدامها؟  

مستخدمي منصة فيسبوك يعتبرون هم الكنز التي تعتمد عليه الشركة لجمع بياناتها.  حيث يشارك المستخدمون للتطبيق ما يقارب ٢.٥ مليون منشور كل دقيقة. ومن ثم يُحلل هذا المحتوى لإيجاد معلومات مفتاحية عن المستخدمين تسمح بتصنيفهم إلى عدة فئات حسب اهتمامات  المعلنين. بالإضافة إلى تفاعلهم مع محتوى أشخاص آخرين والبيانات المخزنة في قواعد بيانات فيسبوك، والتي تحتوي على قوائم المشاريع وقواعد البيانات للأفلام والموسيقى والكتب والعروض التلفزيونية. وبالتالي فإنه متى ما أُعجبنا أو نشرنا أي محتوى، فإن هذا يسمح لهم أيضا بمعرفة المزيد عنا. ولعدم اختراق الخصوصية، تُشفر جميع هذه البيانات أثناء إدخالها للأنظمة التي تزاوج ما بين المشاريع والمستهلكين المحتملين. وهذا كله يعني أن اسمك يحذف أو يستبدل برمز تعريفي مميز لا يمكّنهم من التعرف عليك شخصيا. 

ما هي أبرز التقنيات المستخدمة؟ 

يعد فيسبوك أكثر المنصات زيارة في العالم بعد محرك البحث (قوقل)، كما أنه أكثر المواقع بحثا في قوقل. ويقال بأنه مسؤول عن ١٠٪ من جميع عمليات العبور عبر الإنترنت. وبالطبع، فإن خدمة إنترنت بهذا الحجم تتطلب بنية تحتية لا يستهان بها. حيث تحتوي مراكز بيانات فيسبوك على خوادم مصممة حسب الطلب، التي تبنى باستخدام شرائح إنتل وإي إم دي بالإضافة إلى أحدث تقنيات توفير الطاقة والتي تساعد في التقليل من التكلفة الهائلة لإبقاء الكثير من الخوادم في وضع التشغيل بشكل متواصل. وقد أتيحت تصاميم أنظمة الخوادم كمراجع مفتوحة المصدر. كما تعتمد فيسبوك على تقنية خاصة ببرمجياتها مكتوبة بلغة PHP وهي متاحة للعامة أيضا.  كما تشغل قواعد بيانات MySQL. وأنشأ مبرمجوه تقنية HipHop لل MySQL compiler والتي تقوم بترجمة كود PHP إلى ++C في وقت قياسي.، مما يسمح باستخدام الكود بسرعة وتقليل الضغط على المعالجات. كما يستخدم فيسبوك نظام التخزين الموزع الخاص به بناء على منصة Hadoop’s HBase للتحكم في التخزين. ويعرف أيضا بأن فيسبوك تستخدم Apache Hive للتحليل المباشر واللحظي  لبيانات المستخدمين.

ما هي أبرز التحديات التي واجهت فيسبوك؟

كما هو الحال لدى أغلب أشهر مقدمي خدمات الإنترنت، فإن أكبر تحدي تواجهه شركة فيسبوك هو كسب ثقة عملائها. ففي البداية، كان من المتوقع إيجاد أشخاص يشككون وبقوة في نشر تفاصيلهم الشخصية على الإنترنت لأنه لم يكن باستطاعتهم التأكد من الطريقة التي ستستخدم بها هذه البيانات. وحتى لو التزمت كل شركة في العالم بالشروط والسياسات التي تتعلق بالخصوصية ومشاركة البيانات، فإن أشد هذه السياسات تقف مكتوفة أمام عمليات فقدان البيانات أو سرقتها، مثل هجمات القرصنة. ومنذ البداية، حاولت شركة فيسبوك أن تفوز بثقة المستخدمين بإظهار مدى حرصها على الخصوصية. ومقارنة بما كان في الماضي من ثغرات وإشارات لطرف ثالث غامض وغير محدد، فإن ميزات الخصوصية التي قدمتها شركة فيسبوك غلبت غيرها من المزايا التي تقدمها غيرها من الشركات المعاصرة، مثل شركة Myspace. وتعد حقيقة أنه كان على الأقل هناك وهم خصوصية كافية لجذب الكثير من الأشخاص لثورة وسائل التواصل الاجتماعي. حيث، تلقائيا، كان كل ما يشاركه المستخدم لا يخرج عن إطار مشاركته مع مجموعة من الأصدقاء الموثوقين، على عكس Myspace، التي كانت تشارك فيه المنشورات تلقائيا مع العالم. كما أتاحت شركة فيسبوك خيارات تسمح للمستخدم من تحديد مدى خصوصية ما ينشرون كأن تكون عامة ومتاحة للجميع أو خاصة. غير أنه كانت هناك شكاوى دائمة تتعلق بصعوبة وتعقيد الوصول لهذه الخيارات. 

الخاتمة:  

غيّرت منصة فيسبوك طريقة تواصلنا مع بعضنا باستخدام الانترنت تغييرا جذريا، حيث سمح لنا ببناء شبكتنا الخاصة واختيار الأشخاص الذين نرغب بمشاركة معلومات تتعلق بحياتنا معهم. وتعد هذه المعلومات ذات قيمة لا يستهان بها للمعلنين، الذين بإمكانهم استخدام هذه المعلومات لاستهداف أشخاص معينين قد يكونون مهتمين أو يرغبون بمنتجاتهم وخدماتهم، وذلك بناء على التحليل للكم الهائل من البيانات التي تملكها فيسبوك. ويعد الإعلان الموجه ذو فائدة بالغة للمشاريع الصغيرة التي يصعب عليها صرف ميزانية تسويقية لعرض منتجاتها وخدماتها على الفئة الخطأ. كسب ثقة المستخدمين يعد أمرا ً بالغ الأهمية. وبعيدا عن لصوص المعلومات وغيرهم من الأنشطة غير القانونية، قد يزعج المستخدمون لرؤية إعلانات لا تهمهم وبكثرة. ولذلك، فإن من مصلحة شركة فيسبوك وكل المعلنين اختيار الفئة المستهدفة بفعالية أكبر. 

المراجع:

1. Statista (2016) Number of monthly active Facebook users worldwideas of 3rd quarter 2015 (in millions), http://www.statista.com/statistics/264810/number-of-monthly-active-facebook-users-worldwide/,accessed 5 January 2016.

2. eMarketer (2015) Facebook and Twitter will take 33% share of US digital display market by 2017, http://www.emarketer.com/Article/Facebook- Twitter-Will-Take-33-Share-of-US-Digital-Display-Market-by-2017/1012274, accessed 5 January 2016.

For more information about Facebook and Big Data, visit: http://www.wired.com/insights/2014/03/facebook-decade-big-data/