استخدام البيانات الضخمة لتحسين أداء الأسواق المركزية (تجربة ولمارت)

ترجمة: فاضل حمود

مراجعة: شروق السنان

مدخل

تعتبر سلسلة متاجر وول مارت بأنها عملاق قطاع التجزئة في العالم وأكبر شركة في العالم من حيث الإيرادات، بأكثر من مليوني موظف و 20 ألف متجر في 28 دولة حول العالم.

بعمليات بهذا الحجم فإنه ليس من المستغرب أن أدركوا منذ فترة طويلة القيمة الموجودة في تحليلات البيانات. في عام 2004م، عندما ضرب إعصار ساندي الولايات المتحدة، وجدوا أن رؤى غير متوقعة يمكن أن تظهر عند دراسة البيانات ككل، وليس كمجموعات فردية منفصلة. في محاولة للتنبؤ بالطلب على إمدادات الطوارئ في مواجهة اقتراب إعصار ساندي، قدمت رئيسة قسم المعلومات Linda Dillman  بعض الإحصائيات المفاجئة. بالإضافة إلى المصابيح اليدوية ومعدات الطوارئ، أدى سوء الأحوال الجوية المتوقع إلى زيادة في مبيعات كعك الفراولة في عدة مواقع أخرى. تم إرسال إمدادات إضافية منها [كعك الفراولة] إلى المتاجر في مسار إعصار فرانسيس في عام 2012م، وحققت مبيعات جيدة للغاية، مما دفع شركة وول مارت إلى تطوير قسم جديد لتحليل البيانات الضخمة لتحافظ على هذا التقدم وتبقى دائماً بالصدارة. في عام 2015م، أعلنت الشركة أنها بصدد إنشاء أكبر سحابة بيانات خاصة في العالم، لتمكين معالجة 2.5 بيتابايت من المعلومات كل ساعة.

ما هي التحديات التي تساعد البيانات الضخمة في حلها في هذا القطاع؟

تبيع الأسواق المركزية (Supermarkets) ملايين المنتجات لملايين الأشخاص يومياً. إنها صناعة تنافسية جداً ويعتمد عليها نسبة كبيرة من الناس الذين يعيشون في العالم المتقدم لتزويدهم بالأساسيات اليومية. لا تتنافس الأسواق المركزية على السعر فحسب، بل تتنافس أيضًا في خدمة العملاء والراحة والحيوية. إن وجود المنتجات المناسبة في المكان المناسب وفي الوقت المناسب، حتى يتمكن الأشخاص المناسبين من شرائها، تمثل تحديات لوجستية ضخمة. لذا يجب أن يتم تسعير المنتجات بكفاءة حتى مستوى السنتات (الهللات) لتظل قادرة على المنافسة. فالعملاء حين لا يجدون كل ما يحتاجون إليه تحت سقف واحد، سيبحثون عن مكان آخر للتسوق بما يتناسب مع جدول أعمالهم المزدحم.

كيف استخدمت البيانات الضخمة؟

في عام 2011 و مع تزايد الوعي بكيفية استخدام البيانات لفهم احتياجات العملاء وتزويدهم بالمنتجات التي يرغبون بشرائها، أنشأت وول مارت Walmart Labs وفريق Fast Big Data الخاص بهم لبحث ونشر مبادرات جديدة قائمة على البيانات في نطاق أعمالهم التجارية.

تمت اعتماد هذه الاستراتيجية باسم مقهى البيانات (Data Café)  وهو مركز تحليلات حديث في المقر الرئيسي للشركة  في بنتونفيل، أركنساس. يتمكن فريق التحليلات في مقهى البيانات من مراقبة تدفق 200 مسار من البيانات الداخلية والخارجية شكل لحظي، بما في ذلك قاعدة بيانات بحجم 40 بيتابايت لجميع بيانات المبيعات خلال الأسابيع السابقة.

يُنظر إلى التحليل المتزامن واللحظي للبيانات على أنه مفتاح رئيسي لدفع أداء الأعمال – وكما ذكر كبير المحللين الإحصائيين في وول مارت نافين بيداميل: “إن لم تستطع التنبؤ بمبيعاتك إلاّ بعد مُضي أسبوع أو شهر من تحليل البيانات، فقد فقدت المبيعات خلال ذلك الوقت. يتمثل هدفنا دائمًا في إيصال المعلومات إلى شركائنا في العمل بأسرع ما يمكن، حتى يتمكنوا من اتخاذ الإجراءات وتقليص الوقت المستغرق لإتمامها. إنها تحليلات استباقية وتفاعلية”.

تتم دعوة فرق من كافة أقسام الشركة لزيارة مقهى البيانات مع مشاكلهم المتعلقة بالبيانات، والعمل مع المحللين لابتكار أفضل الحلول. هناك أيضًا نظام يراقب مؤشرات الأداء عبر الشركة ويطلق تنبيهات آلية عندما تصل إلى مستوى معين – ويدعو الفرق المسؤولة عنها للتحدث إلى فريق البيانات حول الحلول الممكنة.

يعطي كبير المحللين بيداميل مثالاً على فريق إحدى المتاجر والذين  يعانون من عدم فهم أسباب الانخفاض المفاجئ في مبيعات منتج معين. وبمجرد أن أصبحت بياناتهم في أيدي محللي مقهى البيانات تم التوصل و بسرعة كبيرة على أن الانخفاض كان يُعزى مباشرة إلى خطأ في التسعير. تم تصحيح الخطأ على الفور مما أدى إلى تحسن المبيعات في غضون أيام. يمكن أيضاً مراقبة المبيعات عبر المتاجر المختلفة في مناطق جغرافية مختلفة وبشكل لحظي. يتذكر بيداميل في إحدى السنوات في فترة الهالوين، أنه كانت تتم مراقبة أرقام المبيعات لنوع جديد من البسكويت ، ولكن، إكتشف المحللون أن هناك العديد من المتاجر لم تبع من هذا النوع على الإطلاق مما دفعهم لإطلاق تنبيه إلى فرق التسويق المسؤولة عن تلك المتاجر، والتي أدركت بسرعة أن المنتجات لم يتم وضعها على الرفوف! لم تكن خوارزمية معقدة، ولكن لم يكن رصد هذه المشكلة ممكناً بدون التحليلات الحظية والمباشرة.

وهناك مبادرة أخرى تتمثل في مشروع الجينوم الاجتماعي التابع لشركة وول مارت، والذي يراقب محادثات وسائل التواصل الاجتماعي العامة ويحاول التنبؤ بالمنتجات التي سيشتريها الأشخاص بناءً على محادثاتهم. لديهم أيضًا خدمة Shopycat، التي تتنبأ بكيفية تأثر عادات التسوق لدى الأشخاص بأصدقائهم (باستخدام بيانات الشبكات الاجتماعية أيضاً) وقد طوروا محرك بحث خاص بهم، يطلق عليه Polaris، للسماح لهم بتحليل عبارات البحث التي أدخلها العملاء على مواقعهم على الشبكة.

ماهي أبرز النتائج؟

حسب فريق وول مارت فإن نظام مقهى البيانات أدى إلى تقليل الوقت المستغرق منذ اكتشاف المشكلة وحتى الوصول إلى الحل من متوسط أسبوعين – ثلاثة أسابيع إلى حوالي 20 دقيقة!

ما هي البيانات التي تم استخدامها؟

يستخدم نظام مقهى البيانات قاعدة بيانات يتم تحديثها باستمرار تتكون من 200 مليار صف من بيانات المعاملات – وهذا لا يمثل سوى بيانات الأسابيع القليلة الماضية! 

إضافة إلى ذلك، يستخدم مقهى البيانات البيانات من 200 مصدر آخر، بما في ذلك بيانات الأرصاد الجوية، والبيانات الاقتصادية، وبيانات الاتصالات، وبيانات الوسائط الاجتماعية، وأسعار الغاز، وقاعدة بيانات للأحداث التي تجري بالقرب من متاجر وول مارت.

ما هي أبرز التقنيات المستخدمة؟

تتكون قاعدة بيانات المعاملات في الوقت اللحظي في وول مارت من 40 بيتابايت من البيانات. على الرغم من ضخامة هذا الحجم من بيانات المعاملات، إلا أنه يشمل فقط بيانات الأسابيع الأخيرة، حيث أن هذه الفترة هي الفترة القَيِّمة بالنسبة لتحليل البيانات في الوقت اللحظي. يتم تخزين البيانات من متاجر السلسلة والأقسام عبر الإنترنت ووحدات الشركة بشكل مركزي على Hadoop (نظام تخزين البيانات الموزعة وإدارة البيانات).

وصف المدير التقني جيرمي كنق هذا النهج بأنه “ديمقراطية البيانات” حيث أن الهدف هو إتاحة البيانات لأي شخص في العمل يمكنه الاستفادة منه. في مرحلة ما بعد اعتماد إطار Hadoop الموزع في عام 2011، أصبح المحللون قلقين من أن الحجم كان ينمو بمعدل قد يعيق قدرتهم على تحليله. ونتيجةً لذلك، تم تبني سياسة “الإدارة الذكية” لجمع البيانات والتي تضمنت إنشاء العديد من الأنظمة المصممة لتحسين البيانات وتصنيفها قبل تخزينها. تشمل التقنيات الأخرى المستخدمة Spark و Cassandra، وتستخدم عدة اللغات بما فيها R و SAS لتطوير التطبيقات التحليلية.

ما هي أبرز التحديات التي واجهت ولمارت؟

مع عملية تحليلية طموحة مثل تلك التي خططت لها وول مارت، تطلب التوسع السريع عدداً هائلا ً من الموظفين الجدد، وقد ثبت صعوبة العثور على الأشخاص المناسبين ذوي المهارات المناسبة. هذه المشكلة ليست مقتصرة على وول مارت: فقد وجد استطلاع حديث أجراه باحثو Gartner أن أكثر من نصف الشركات تشعر أن قدرتها على إجراء تحليلات البيانات الضخمة تعيقها صعوبة توظيف المواهب المناسبة.

كان أحد الأساليب التي اتخذها وول مارت لحل هذه المشكلة هو اللجوء إلى موقع مسابقات علوم البيانات Kaggle. وضع Kaggle للمستخدمين تحديًا يتضمن توقع كيفية تأثير الأحداث الترويجية والموسمية مثل مبيعات تخليص الأسهم والعطلات على مبيعات عدد من المنتجات المختلفة. تمت دعوة أولئك الذين توصلوا إلى النماذج الأكثر تطابقًا مع البيانات الواقعية التي جمعتها وول مارت للتقدم لشغل وظائف في فريق علوم البيانات. في الواقع، كان نافين بيداميل أحد أولئك الذين تم توظيفهم في وول مارت بعد مشاركتهم في المسابقة.

بمجرد أن يبدأ محلل جديد العمل لدى وول مارت، يتم إخضاعه لبرنامج تدوير المحللين. والذي يجعله يتنقل بين عدة فرق مختلفة مع مسؤولية عمل تحليلي، وبذلك يحصل على نظرة عامة وواسعة حول كيفية استخدام التحليلات المختلفة في جميع أنحاء الشركة.

ذكر ماندار ذاكور، كبير مسؤولي التوظيف في وول مارت في عملياتها لأنظمة المعلومات: “خلقت مسابقة Kaggle ضجة حول وول مارت ومنظومة التحليلات الخاصة بنا. كان الناس يعرفون دائمًا أن وول مارت تُولِّد وتمتلك الكثير من البيانات، ولكن أفضل جزء هو أن هذه المسابقة أتاحت للناس رؤية كيفية استخدامنا للبيانات بشكل استراتيجي”.

الخاتمة:

الأسواق المركزية تعتبر أعمال كبيرة وسريعة ومتغيرة باستمرار وهي بُنية معقدة تتكون من العديد من الأنظمة الفرعية وهذا يجعلها بيئة مثالية لتطبيق تحليلات البيانات الضخمة.

إن المنافسة هي العجلة المحركة للنجاح في هذا المجال. لطالما اضطلعت وول مارت بدور قيادي في المبادرات التي تعتمد على البيانات، مثل برامج الولاء والمكافآت، ومن خلال الالتزام بأحدث التقنيات في التحليلات اللحظية، فقد أظهروا أنهم يخططون للبقاء في المنافسة.

قد يُنظر إلى متاجر التجزئة على أنها “متخلفة تقنياً” – أو حتى من العصر الحجري – مقارنةً بمنافسيهم عبر الإنترنت، لكن أظهرت وول مارت أنها تتأثر بالبيانات الضخمة المتطورة تماماً كما هو الحال بالنسبة لشركة أمازون و علي بابا.

وعلى الرغم من الخيارات المطروحة للتسوق عبر الانترنت والتي تبدو أكثر راحة، يبدو أن العملاء، سواء من خلال العادة أو التفضيل، لا يزالون على استعداد لركوب سياراتهم والذهاب إلى المتاجر لشراء الأشياء بأنفسهم. وهذا يعني أنه لا يزال هناك سوق ضخم للاستفادة منه. لذا فإن الشركات التي تستخدم التحليلات على أفضل وجه من أجل زيادة الكفاءة وتحسين تجربة عملائها سوف تزدهر.

 

المراجع:

Kaggle (2015) Predict how sales of weather-sensitive products are affected by snow and rain, https://www.kaggle.com/c/walmart- recruiting-sales-in-stormy-weather, accessed 5 January 2016. 

Walmart (2015) When data met retail: A #lovedata story, http:// careersblog.walmart.com/when-data-met-retail-a-lovedata-story/, accessed 5 January 2016.